س9: ما حكم تتبُّع الأئمة الذين في أصواتهم جمال؟
ج9: أرى أنه لا بأس في ذلك، لكن الأفضل أن يصلي الإنسان في مسجده لأجل أن
يجتمع الناس حول إمامهم وفي مساجدهم، ولأجل ألا تخلو المساجد من الناس،
ولأجل ألا يكثر الزحام عند المسجد الذي تكون قراءة إمامه جيدة فيحدث من
هذا ارتباك، وربما يحدث أمر مكروه، ربما يأتي إنسان يتلقف امرأة خرجت من
هذا المسجد الذي فيه الناس بكثرة، ومع كثرة الناس والزحام ربما يخطفها وهي
لا تشعر إلا بعد مسافة، ولهذا نحن نرى أن الإنسان يبقى في مسجده لِمَا في
ذلك من عمارة المسجد وإقامة الجماعة فيه. واجتماع الجماعة على إمامهم
والسلامة من الزحام والمشقَّة.
س10: هل سحب الدم بكثرة يؤدي إلى إفطار الصائم؟
ج10: سحب الدم بكثرة إذا كان يؤدي إلى ما تؤدي إليه الحجامة من ضعف البدن
واحتياجه للغذاء، حكمه كحكم الحجامة، وأما ما يخرج بغير اختيار الإنسان
مثل أن تجرح الرجل فتنزف دماً كثيراً فإن هذا لا يضر؛ لأنه بغير إرادة
الإنسان.
س11: بالنسبة لصلاة التراويح في ليلة العيد، هل تكمل أم لا؟
ج11: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، فإنها لا تقام صلاة
التراويح، ولا صلاة القيام، وذلك لأن صلاة التراويح والقيام إنما هي في
رمضان، فإذا ثبت خروج الشهر فإنها لا تقام، فينصرف الناس من مساجدهم إلى
بيوتهم.
س12: هل للمعتكف في الحرم أن يخرج للأكل أو الشرب، وهل يجوز له الصعود إلى سطح المسجد لسماع الدروس؟
ج12: نعم.. يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أو غيره أن يخرج للأكل والشرب
إن لم يكن في إمكانه أن يحضرهما إلى المسجد، لأن هذا أمر لابدَّ منه، كما
أنه سوف يخرج لقضاء الحاجة، وسوف يخرج للاغتسال من جنابة إذا كانت عليه
الجنابة. وأما الصعود إلى سطح المسجد فهو أيضاً لا يضر؛ لأن الخروج من باب
المسجد الأسفل إلى السطح ما هو إلا خطوات قليلة ويقصد به الرجوع إلى
المسجد أيضاً، فليس في هذا بأس.
س13: شاب استمنى في رمضان جاهلاً بأنه يفطر وفي حالة غلبت عليه شهوته، فما الحكم؟
ج13: الحكم أنه لا شيء عليه، لأننا قررنا فيما سبق أنه لا يفطر الصائم إلا
بثلاثة شروط: العلم ـ الذِّكْر ـ الإرادة. ولكني أقول: إنه يجب على
الإنسان أن يصبر عن الاستمناء لأنه حرام؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـفِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَـنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَآءَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [المؤمنون: 5 ـ 7]. ولأن
النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة
فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم».
ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلّم؛ لأنه
أيسر على المكلف، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، بخلاف الصوم ففيه مشقة، فلما
عدل النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الصوم، دلَّ هذا على أن الاستمناء ليس
بجائز.
س14: ما حكم الصوم مع ترك الصلاة في رمضان؟
ج14: إن الذي يصوم ولا يصلي لا ينفعه صيامه ولا يُقْبَل منه ولا تبرَأ به
ذمَّته. بل إنه ليس مطالباً به مادام لا يصلي؛ لأن الذي لا يصلي مثل
اليهودي والنصراني، فما رأيكم أن يهوديًّا أو نصرانيًّا صام وهو على دينه،
فهل يقبل منه؟ لا. إذن نقول لهذا الشخص: تب إلى الله بالصلاة وصم، ومَن
تاب تاب الله عليه.
س15: يقول بعض الناس: إن الأشهُر جميعاً لا يُعْرَف دخولها كلها وخروجها
بالرؤية، وبالتالي فإن المفروض إكمال عدة شعبان ثلاثين وكذا عدة رمضان..
فما حكم الشرع في مثل هذا القول؟
ج15: هذا القول ـ من جهة ـ أن الأشهر جميعاً لا يُعرف دخولها كلها وخروجها
بالرؤية ليس بصحيح. بل إن رؤية جميع أهلة الشهور ممكنة، ولهذا قال النبي
صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا».
ولا يعلِّق النبي صلى الله عليه وسلّم شيئاً على أمر مستحيل، وإذا أمكن رؤية هلال شهر رمضان فإنه يمكن رؤية هلال غيره من الشهور.
وأما الفقرة الثانية في السؤال وهي أن المفروض إكمال عدة شعبان ثلاثين
وكذلك عدة رمضان.. فصحيح أنه إذا غُمَّ علينا ولم نرَ الهلال، بل كان
محتجباً بغيم أو قتر أو نحوهما فإننا نكمل عدة شعبان ثلاثين ثم نصوم،
ونكمل عدة رمضان ثلاثين ثم نفطر. هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلّم أنه قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم
فعدوا ثلاثين يوماً». وفي حديث آخر: «فأكملوا العدة ثلاثين».
وعلى هذا فإذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان وتراءى الناس الهلال ولم يروه
فإنهم يكملون شعبان ثلاثين يوماً. وإذا كانت ليلة الثلاثين من رمضان
فتراءى الناس الهلال ولم يروه، فإنهم يكملون عدة رمضان ثلاثين يوماً.
س16: ما هي
الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر؟ وهل يجوز اعتماد حساب المراصد
الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه؟ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل ما يسمى
بـ(الدربيل) في رؤية الهلال؟
ج16: الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال، وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره.
فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذه الرؤية صوماً إن كان الهلال هلال رمضان،
وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال، ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية
إذا لم يكن رؤية. فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها
معتبرة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا
رأيتموه فأفطروا». أما مجرد الحساب فإنه لا يجوز العمل به ولا الاعتماد
عليه.
وأما استعمال ما يسمى بـ(الدربيل) وهو المنظار المقرِّب في رؤية الهلال
فلا بأس به، ولكن ليس بواجب؛ لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية
المعتادة لا على غيرها، ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه
الرؤية، وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لمَّا كانوا يصعدون (المنائر)
في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة
هذا المنظار. على كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى
هذه الرؤية لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا
رأيتموه فأفطروا».
س17: هل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام برؤية واحدة؟ وكيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس فيها رؤية شرعية؟
ج17: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم أي إذا رئي الهلال في بلد من بلاد
المسلمين وثبتت رؤيته شرعاً، فهل يلزم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه
الرؤية؟ فمن أهل العلم مَن قال إنه يلزمهم أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية،
واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
[البقرة: 185]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا».
قالوا: والخطاب عام لجميع المسلمين. ومن المعلوم أنه لا يُراد به رؤية كل
إنسان بنفسه؛ لأن هذا متعذر، وإنما المراد بذلك إذا رآه مَن يثبت برؤيته
دخول الشهر. وهذا عام في كل مكان. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه إذا
اختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته، وإذا لم تختلف المطالع فإنه يجب على مَن
لم يروه إذا ثبتت رؤيته بمكان يوافقهم في المطالع أن يعملوا بمقتضى هذه
الرؤية. واستدلَّ هؤلاء بنفس ما استدلَّ به الأولون فقالوا: إن الله تعالى
يقول: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. ومن المعلوم أنه لا
يُراد بذلك رؤية كل إنسان بمفرده. فيعمل به في المكان الذي رئي فيه وفي كل
مكان يوافقهم في مطالع الهلال. أما مَن لا يوافقهم في مطالع الهلال فإنه
لم يره لا حقيقة ولا حكماً.. قالوا: وكذلك نقول في قول النبي صلى الله
عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا». فإن مَن كان في
مكان لا يوافق مكان الرائي في مطالع الهلال لم يكن رآه لا حقيقة ولا
حكماً، قالوا: والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي. فكما أن البلاد تختلف في
الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري،
ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين، فمن كانوا في
الشرق فإنهم يمسكون قبل مَن كانوا في الغرب، ويفطرون قبلهم أيضاً.
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي؛ فإن مثله تماماً في التوقيت الشهري.
ولا يمكن أن يقول قائل: إن قوله تعالى: {فَالـنَ بَـشِرُوهُنَّ
وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} [البقرة: 187].
وقوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من
هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم». لا يمكن لأحد أن يقول إن هذا عام
لجميع المسلمين في كل الأقطار.
وكذلك نقول في عموم قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ}، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا
رأيتموه فأفطروا».
وهذا القول كما ترى له قوَّته بمقتضى اللفظ والنظر الصحيح والقياس الصحيح أيضاً، قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأمر معلَّق بولي الأمر في هذه المسألة، فمتى
رأى وجوب الصوم أو الفطر مستنداً بذلك إلى مستند شرعي فإنه يعمل بمقتضاه؛
لئلا يختلف الناس ويتفرقوا تحت ولاية واحدة. واستدلَّ هؤلاء بعموم الحديث.
«الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس».
وهناك أقوال أخرى ذكرها أهل العلم الذين ينقلون الخلاف في هذه المسألة.
وأما الشق الثاني من السؤال وهو: كيف يصوم المسلمون في بلاد الكفار التي
ليس بها رؤية شرعية؟ فإن هؤلاء يمكنهم أن يثبتوا الهلال عن طريق شرعي،
وذلك بأن يتراءوا الهلال إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يمكنهم هذا فإن قلنا
بالقول الأول في هذه المسألة فإنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي،
فإنهم يعملون بمقتضى هذه الرؤية، سواء رأوه أو لم يروه.
وإذا قلنا بالقول الثاني، وهو اعتبار كل بلد بنفسه إذا كان يخالف البلد
الآخر في مطالع الهلال، ولم يتمكنوا من تحقيق الرؤية في البلد الذي هم
فيه، فإنهم يعتبرون أقرب البلاد الإسلامية إليهم، لأن هذا أعلى ما يمكنهم
العمل به.
س18: إذا تيقن شخص من دخول الشهر برؤية الهلال ولم يستطع إبلاغ المحكمة فهل يجب عليه الصيام؟
ج18: اختلف العلماء في هذا، فمنهم من يقول إنه يلزمه الصيام، ومنهم من
يقول إنه لا يلزمه وذلك بناءً على أن الهلال هو ما استهلَّ واشتهر بين
الناس، أو أن الهلال هو ما رئي بعد غروب الشمس، سواء اشتهر بين الناس أم
لم يشتهر.
والذي يظهر لي أن مَن رآه وتيقَّن من رؤيته وهو في مكان ناءٍ لم يشاركه
أحد في الرؤية أو لم يشاركه أحد في الترائي، فإنه يلزمه الصوم؛ لعموم قوله
تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
وقوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا» ولكن إن كان في البلد
وشهد به عند المحكمة، وردت شهادته فإنه في هذه الحال يصوم سرًّا لئلا يعلن
مخالفة الناس.
س19: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلّم دعاء خاص يقوله مَن رأى
الهلال؟ وهل يجوز لمن سمع خبر الهلال أن يدعو به ولو لم ير الهلال؟
ج19: نعم يقول: «الله أكبر.. اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان..
والسلامة والإسلام.. والتوفيق لما تحبه وترضاه. ربي وربك الله.. هلال خير
ورشد».
فقد جاء في ذلك حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيهما مقال قليل.
وظاهر الحديث أنه لا يدعى بهذا الدعاء إلا حين رؤية الهلال. أما من سمع به
ولم يره فإنه لا يشرع له أن يقول ذلك.
س20: إذا لم يعلم الناس دخول الشهر إلا بعد مضي وقت من النهار فهل يجب عليهم إمساك بقية اليوم؟ أم قضاؤه؟
ج20: إذا علم الناس بدخول شهر رمضان في أثناء اليوم فإنه يجب عليهم
الإمساك؛ لأنه ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان فوجب إمساكه. ولكن هل يلزمهم
القضاء؟ أي قضاء هذا اليوم؟ في هذا خلاف بين أهل العلم فجمهور العلماء
يرون أنه يلزمهم القضاء؛ لأنهم لم ينووا الصيام من أول اليوم بل مضى عليهم
جزء من اليوم بلا نية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال
بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى».
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزمهم القضاء لأنهم كانوا مفطرين عن جهل
والجاهل معذور بجهله، ولكن القضاء أحوط وأبرأ للذمة. وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فما هو إلا يوم واحد وهو
يسير لا مشقة فيه، وفيه راحة للنفس وطمأنينة للقلب.
يتبع